و أعظم عذاب أهل النار حجابهم عن الله عز و جل إبعادهم عنه و إعراضه عنهم و سخطه عليهم كما أن رضوان الله على أهل الجنة أفضل من كل نعيم الجنة و تجليه لهم و رؤيتهم إياه أعظم من جميع أنواع نعيم الجنة قال الله تعالى : .
{ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون * ثم إنهم لصالوا الجحيم * ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون } .
فذكر الله تعالى ثلاثة أنواع من العذاب : حجابهم عنه ثم صليهم الجحيم ثم توبيخهم بتكذيبهم به في الدنيا و وصفهم بالران على قلوبهم و هو صدأ الذنوب الذي سود قلوبهم فلم يصل إليها بعد ذلك في الدنيا شيء من معرفة الله و لا من إجلاله و مهابته و خشيته و محبته فكما حجبت قلوبهم في الدنيا عن الله حجبوا في الآخرة عن رؤيته و هذا بخلاف حال أهل الجنة قال الله تعالى : .
{ للذين أحسنوا الحسنى و زيادة و لا يرهق وجوههم قتر و لا ذلة } .
و الذين أحسنوا هم أهل الإحسان و الإحسان أن يعبد العبد ربه كأنه يراه كما فسره النبي صلى الله عليه و آله وسلم لما سأله عنه جبريل عليه السلام فجعل جزاء الإحسان الحسنى و هم الجنة و الزيادة و هي النظر إلى وجه الله عز و جل كما فسره بذلك رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في حديث صهيب و غيره .
قال جعفر بن سليمان : سمعت أبا عمران الجوني قال : إن الله لم ينظر إلى إنسان قط إلا رحمه و لو نظر إلى أهل النار لرحمهم و لكن قضى أن لا ينظر إليهم .
و قال أحمد بن أبي الحواري : حدثنا أحمد بن موسى عن أبي مريم قال : يقول أهل النار : إلهنا ارض عنا و عذبنا بأي نوع شئت من عذابك فإن غضبك أشد علينا من العذاب الذي نحن فيه ! ! قال أحمد : فحدثت سليمان ابن أبي سليمان فقال : ليس هذا كلام أهل النار هذا كلام المطيعين لله قال : فحدثت به أبا سليمان فقال : صدق سليمان بن أبي سليمان ـ و سليمان و هو ولد أبي سليمان الداراني و كان عارفا كبير القدر رحمه الله ـ و ما قاله حق فإن أهل النار جهال لا يتفطنون لهذا و إن كان في نفسه حقا و إنما يعرف هذا من عرف الله و أطاعه و لعل هذا يصدر من بعض من يدخل النار من عصاة الموحدين كما أن بعضهم يستغيث بالله لا يستغيث بغيره فيخرج منها و بعضهم يخرج منها برجائه لله وحده و بعض من يؤمر به إلى النار يتشفع إلى الله بمعرفته فينجيه منها .
قال أبو العباس بن مسروق : سمعت سويد بن سعيد يقول : سمعت الفضيل ابن عياض يقول : يوقف رجل بين يدي الله عز و جل لا يكون معه حسنة فيقول الله عز و جل : اذهب هل تعرف أحدا من الصالحين أغفر لك بمعرفته ؟ فيذهب فيدور مقدار ثلاثين سنة فلا يرى أحدا يعرفه فيرجع إلى الله عز و جل فيقول : يا رب لا أرى أحدا ! ! فيقول الله عز و جل اذهبوا به إلى النار فتتعلق به الزيانية يجرونه فيقول : يا رب إن كنت تغفر لي بمعرفة المخلوقين فإني بوحدانيتك أنت أحق أن تغفر لي فيقول الله للزبانية : ردوا عارفي لأنه كان يعرفني و اخلعوا عليه خلع كرامتي و دعوه يتبحبح في رياض الجنة فإنه عارف بي و أنا له معروف