4اعزل نفسك عن مواطن المعصية : فترك المكان الذي كنت تعصي الله فيه مما يعينك على التوبة ، فإن الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً قال له العالم = إن قو- مك قوم سوء ، وإن في أرض كذا وكذا قوماً يعبدون الله ، فاذهب فاعبد الله معهم = 0
5- ابتعد عن رفقة السوء : فإن طبعك يسرق منهم ، واعلم أنهم لن يتركوك وخصوصاً أن من ورائهم الشياطين تؤزهم الى المعاصي أزاً ، وتدفعهم دفعاً ، وتسوقهم سوقاً 00 فغير رقم هاتفك ، وغير عنوان منزلك إن استطعت ، وغير الطريق الذي كنت تمر منه ، ولهذا قال { الرجل على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل } 0
6-تدبر عواقب الذنوب : فإن العبد إذا علم أن المعاصي قبيحة العواقب سيئة المنتهى ، وأن الجزاء بالمرصاد ، دعاه ذلك الى ترك الذنوب بداية ، والتوبة الى الله إن كان اقتراف شيئاً منها 0
7- أرها الجنة والنار : ذكرها بعظمة الجنة ، وما أعد الله فيها لمن أطاعه واتقاه ، وخوفها بالنار وما أعد الله فيها لمن عصاه 0
8- أشغلها بما ينفع وجنبها الوحدة والفراغ : فإن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ، والفراغ يؤدي الى الانحراف والشذوذ والإدمان ، ويقود الى رفقة السوء 0
9- خالف هواك : فليس أخطر على العبد من هواه ، ولهذا قال الله تعالى ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه ) [ الفرقان : 43 ] فلابد لمن أراد توبة نصوحاً أن يحطم في نفسه كل ما يربطه بالماضي الأليم ، ولا ينساق وراء هواه 0
وهناك أسباب أخرى تعينك أخي الحبيب على التوبة غير ما ذكر منها : الدعاء الى الله تعالى أن يرزقك توبة نصوحاً ، وذكر الله واستغفاره ، وقصر الأمل وتذكر الآخرة ، وتدبر القرآن ، والصبر خاصة في البداية ، الى غير ذلك من الأمور التي تعينك على التوبة 0
شروط التوبة الصادقة
أخي الحبيب : وللتوبة الصادقة شروط لا بد منها حتى تكون صحيحة مقبولة وهي :
1-الإخلاص لله تعالى : فيكون الباعث على التوبة حب الله وتعظيمه ورجاؤه والطمع في ثوابه ، والخوف من عقابه ، لا تقرباً الى مخلوق ، ولاقصداً في عرض من أعراض الدنيا الزائلة ، ولهذا قال سبحانه ( إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين ) [ النساء : 146 ] 0
2-الإقلاع عن المعصية : فلا تتصور صحة التوبة مع الإقامة على المعاصي حال التوبة ، أما إن عاود الذنب بعد التوبة الصحيحة ، فلا تبطل توبته المتقدمة ، ولكنه يحتاج الى توبة جديدة وهكذا 0
3- الاعتراف بالذنب : إذ لا يمكن أن يتوب المرء من شئ لا يعده ذنباً 0
4- الندم على ما سلف من الذنوب والمعاصي : ولا تتصور التوبة إلا من نادم حزين آسف على ما بدر منه من المعاصي ، لذا لا يعد نادماً من يتحدث بمعاصيه السابقة ويفتخر بذلك ويتباهى بها ، ولهذا قال{ الندم توبة } 0
5- العزم على عدم العودة : فلا تصح التوبة من عبد ينوي الرجوع الى الذنب بعد التوبة ، وإنما عليه أن يتوب من الذنب وهو يحدث نفسه ألا يعود أليه في المستقبل 0
6-رد المظالم الى أهلها : فإن كانت المعصية متعلقة بحقوق الآدميين وجب عليه أن يرد الحقوق الى أصحابها إذا أراد أن تكون توبته صحيحة مقبولة ، لقول رسول الله { من كانت عنده مظلمة لأحد من عرض أو شئ فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم ، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه } 0
7- أن تصدر في زمن قبولها : وهو ما قبل حضور الأجل ، وطلوع الشمس من مغربها ، قال { إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر } وقال أيضاً { إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها } 0
علامات قبول التوبة
أخي الحبيب : وللتوبة الصادقة علامات تدل على صحتها وقبولها ، ومن هذه العلامات:
1- أن يكون العبد بعد التوبة خيراً مما كان قبلها : وكل إنسان يستشعر ذلك من نفسه ، فمن كان بعد التوبة مقبلاً على الله ، عالي الهمة قوي العزيمة دل ذلك على صدق توبته وصحتها وقبولها 0
2- ألا يزال الخوف من العودة الى الذنب مصاحباً له : فإن العاقل لا يأمن مكر الله طرفة عين ، فخوفه مستمر حتى يسمع قول الملائكة الموكلين بقبض روحه ( ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) [ فصلت : 30 ] فعند ذلك يزول خوفه ويذهب قلقه 0
3- أن يستعظم الجناية التي صدرت منه وإن كان قد تاب منها : يقول ابن مسعود رضي الله عنه = إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه ، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه ، فقال له هكذا = وقال بعض السلف : = لا تنظر الى صغر المعصية ولكن انظر الى من عصيت = 0
4- أن تحدث التوبة للعبد انكساراً في قلبه وذلاً وتواضعاً بين يدي ربه : وليس هناك شئ أحب الى الله من أن يأتيه عبده منكسراً ذليلاً خاضعاً مخبتاً منيباً ، رطب القلب بذكر الله ، لا غرور ، ولا عجب ، ولا حب للمدح ، ولا معايرة ولا احتقار للآخرين بذنوبهم ، فمن لم يجد ذلك فليتهم توبته ، وليرجع الى تصحيحها 0
5- أن يحذر من أمر جوارحه : فيحذر من أمر لسانه فيحفظه من الكذب والغيبة والنميمة وفضول الكلام ، ويشغله بذكر الله تعالى وتلاوة كتابه ، ويحذر من أمر بطنه ، فلا يأكل إلا حلالاً ، ويحذر من أمر بصره ، فلا ينظر الى الحرام ، ويحذر من أمر يديه ، فلا يمدهما في الحرام ، ويحذر من أمر رجليه فلا يمشي بهما الى مواطن المعصية ، ويحذر من أمر قلبه ، فيطهره من البغض والحسد والكره ، ويحذر من أمر طاعته ، فيجعلها خالصة لوجه الله ، ويبتعد عن الرياء والسمعة 0
احذر التسويف
* أخي الحبيب : إن العبد لا يدري متى أجله ، ولا كم بقي من عمره ، ومما يؤسف أن نجد من يسوفون بالتوبة ويقولون : ليس هذا وقت التوبة : دعونا الآن نتمتع بالحياة ، وعندما نبلغ سن الكبر نتوب ، إنها أهواء الشيطان ، وإغراءات الدنيا الفانية ، والشيطان يمني الإنسان ويعده بالخلد وهو لا يملك ذلك فالبدار البدار 00 والحذر الحذر من الغفلة والتسويف وطول الأمل ، فإنه لو لا طول الأمل ما وقع إهمال أصلاً 0
* فسارع أخي الحبيب : الى التوبة ، واحذر التسويف فإنه ذنب أخر يحتاج الى توبة ، والتوبة واجبة على الفور ، فتب قبل أن يحضر أجلك وينقطع أملك ، فتندم ولات ساعة مندم ، فإنك لا تدري متى تنقضي أيامك ، وتنقطع أنفاسك ، وتنصرم لياليك 0
تب قبل أن تتراكم الظلمة على قلبك حتى يصير ريناً وطبعاً فلا يقبل المحو ، تب قبل أن يعاجلك المرض أو الموت فلا تجد مهلة للتوبة 0
لا تغتر بستر الله تعالى وتوالي نعمه
أخي الحبيب : بعض الناس يسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي ، فإذا نصح وحذّر من عاقبتها قال : ما بالنا نرى أقواماً يبارزون الله بالمعاصي ليلاً ونهاراً ، وامتلأت الأرض من خطاياهم ، ومع ذلك يعيشون في رغد من العيش وسعة من الرزق ، ونسي هؤلاء أن الله يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب ، وأن هذا استدراج وإمهال من الله حتى إذا أخذهم لم يفلتهم ، يقول { إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج ، ثم تلا قوله تعالى ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) } 0
وأخيراً 000 !!
أخي الحبيب : فر الى الله بالتوبة ، فر من الهوى 00 فر من المعاصي 00 فر من الذنوب 00 فر من الشهوات 00 فر من الدنيا كلها 00 وأقبل على الله تعالى تائباً راجعاً منيباً 00 اطرق بابه بالتوبة مهما كثرت ذنوبك ، أو تعاظمت ، فالله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، فهلم أخي الحبيب الى رحمة الله وعفوه قبل أن يفوت الأوان 0
أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياك من التأبين حقاً ، المنيبين صدقاً ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0
محاضرة لفضيلة الداعية الإسلامي الشيخ محمد معشوق الخزنوي
سوريا – القامشلي
لمراسلة الشيخ
Ihyalsnna@naseej.com