كيف لو كان هذا آخر رمضان يمر عليك ؟!
أيامنا في الحياة معدودة قصيرة , ومهما طالت فلن تعد
أن تكون سريعة الانقضاء , وشريط الحياة يمر في ذاكرة أحدنا
فيعرض له أيام طفولته كأنها مرت بالأمس القريب ,
ويذكره بسنين مرت وكأنها لم تنقض بعد , إنها الحياة العاجلة ,
والدنيا الزائلة سعادتها سريعة الانقضاء , وتبعاتها ثقيلة القضاء ,
فياويل من غفل عن الصالحات
فيها فغره الغرور , ويا فلاح من تفهم وصفها
فجعلها للآخرة معملا ومعدا ..وها نحن اليوم معا في موقف
من مواقف الحياة المتكررة , قبل أيام قليلات – بحسب
شريط الذكريات – كنت أكتب ههنا مقالا عن استقبال رمضان
في العام الفائت , وكنت أحذر نفسي وقرائي أن تنقضي
منهم أيامه بغير ما يرجوه الصالحون ,
ثم دارت دورة الحياة دورة صغيرة , خالطنا فيها الأعمال
والأشغال والمواقف والخلق , انشغلنا في أيامنا المتسارعة كأن
هناك من يدفعنا نحو الغفلة دفعا , فانقضي عام كامل , و
عاد الهلال ليبدو في دورة جديدة !!
حقيق على الأخيار أن يفرحوا برمضان ,
لكن أيضا حقيق عليهم أن يهتموا كثيرا لما
دارت به الأيام من أعمال ,
انغمسوا اثناءها في كل ما ينسي عن لقاء الله , فعاد أحدهم
خالي الوفاض , فارغ الجراب , إلا من مال اكتسبه ,
أو شغل أنجزه ,نسي فيه حظ الآخرة !
هذه المرة مختلفة , اريد أن أطرح فيها تساؤلا فيما يخص رمضان
كيف لو كان هذا آخر رمضان يمر علينا في دورة الحياة الخاصة بنا ؟!
كيف سيكون تعاملنا مع استقباله وأيامه وليله ونهاره ؟
كيف سيكون شعورنا بينما تنقضي ساعاته ؟
كيف سيكون هدفنا طوال ثلاثين يوما هي عمره بيننا ؟!
إن الحياة في نظر كثير من الناس حلوة خضرة ,
يتشبثون بها ويتعلقون بمكاسبها ونعمها , فلا يتصورون الرحيل
عنها , ولايريدون مجرد التفكير في الرحيل !
لكن الحكماء ينظرون بنظرة مختلفة , والصالحون الذين
رزقهم الله نعمة البصيرة يرون الأيام برؤية أخرى ,
إنها لحياة قصيرة مهما طالت , ونعمة قليلة مهما كثرت
وسعادة راحلة مهما تصورنا بقاءها , فالأعمار زائلة
والموت ينادي على الناس كبيرهم وصغيرهم ولا يستثني أحدا ..
إذن فمن الممكن على اية حال لكل أحد منا أن يكون
رمضانه هذا هو الأخير , ومن الممكن أن يكون وداعه لأيامه
هو وداع الراحلين أبدا فكيف ينبغي أن نتصرف ؟!!
ماأرشحه لنفسي ولقارئي الكريم ثلاثة أمور أساسية نستطيع
بها أن نبتدئ هذه الأيام :
أولها نظرة للوراء , تجمع سيرتنا مع الله العظيم
جل شأنه , ندقق فيها لما نظنه قد كتبه الكرام الكاتبين من ذنوب
وآثام علينا في مشوار حياتنا الفائتة ,
نجمعها ونبذل جهدنا مااستطعنا لإحصاء مااستطعنا منها
ونضعها بين أيدينا
بينما نحن نتمثل أنفسنا في موقف الحساب أمام رب الأرض
والسماء , نستحضر
الندم المحرق عليها ونستشعر الحزن المؤلم على أفعالنا
ومعاصينا , نستثقل المسئولية إذا نحن لقينا ربنا بهذا الحمل الثقيل ,
نستدعي الدمعات ونسكب الحسرات , نسجد لله طلبا للغفران
ياربنا نحن الضعفاء العصاة المذنبون , جئناك بما يثقل كاهلنا
ويعيق فلاحنا ,نرجوك الغفران لها جميعها فأنت أهل
التقوى وأهل المغفرة .. وثانيها نظرة للحقوق المادية ,
فنراجع كل شىء قد حصلنا عليه بباطل أو بغصب أو بعدم
رضا ونراجع كل شىء قد أخذناه بغير حقه فنرده ونتخلص منه كذلك
فنحصي الأمانات التي لدينا مهما كانت قليلة , مال ائتمننا عليها الناس ,
أو حفيظة مودعة , أو كتاب منسي أو حتى عود سواك تركه
بعضهم أمانة عندنا
كذلك نحصي الديون التي علينا فنردها لأصحابها ,
أو نستسمح أصحابها فيها حتى وقت الأداء أو نوصي بها
في وصيتنا التي ننام وهي تحت رؤوسنا . وثالثها
نظرة للحقوق المعنوية , فنرد غيبة من اغتبناه , نذكره
في المجالس بما يحب ,
وندعو له أن يغفر الله له , ونستسمح من
كنا قد أخطانا في حقه بسباب أو غضب
أو حتى صراخ وتأنيب بغير حق ..
=إنها أيها الصائمون نصائح الراحلين , الذين لا يلوون
على شىء من الدنيا , ولايأملون في أيامها
غير طاعة الله سبحانه ,
لعلنا أن يأتينا رمضان ويرحل
عنا فيشفعه الله فينا ويشهد معنا لا علينا ..