المكان :
في بهو الفندق الكبير
الزمان :
العاشرة ليلاً
------------------
الرواية :
ولجت إلى القاعة المزدانة بالاضواء، وصخب المدعوين، وهمهمة بعض الرجال، وضحكات النساء، وابتسامات أصحاب الدعوة .
القيت نظرة : وانا اقف بالباب علي اجد من اعرفه .. او لعلي ارى من دعاني لهذا الحفل .. فلم اشاهد احد
ثم دخلت بخطوات بطيئة متوجساً بعض القلق، بصراحة إني لا أعرف أحداً من المدعوين .. ولكنه صاحب الدعوة كان من وجه لي للحضور بطريق الصدفة .. بل وأصر على حضوري .
ثم إذا به يأتي قادماً من زاوية ما في القاعة، مهللاً ، مرحباً ، تعلو وجهه ابتسامة عريضة مادا يده ليصافحني، فابتسمت له وتقدمت نحوه وصافحته وكلي خجل .
فلم أكن بمثل هذه المواقف ابداً ولم اعتد على الحفلات والسهرات، وخصوصا تلك التي تعج بالناس .
فأخذني من يدي وتقدم بي داخل البهو وأخذ يعرفني على بعض اصدقائة .. فيصافحوني واحدا تلو الآخر وخجلي يزداد مع الوقت .. ثم أمر لي بكوب من العصير البارد .
ونحن نقف في زاوية ما من زوايا الصالة التي تعج بالمدعوين، وتطل على حديقة فيلته الشاسعة .
حيث كان صديقي رجل اعمال وقد حضر صدفة إلى مكتبي في البنك الذي أعمل به مديرا للحسابات، لاتمام عمل له بخصوص شركته، فلما تكررت زياراته لي تبعا لقضاء امور عمله، نشأت بيننا صداقة .. ومحبة لا أدري كيف ذلك وبهذه السرعة ولكنها القلوب تآلفت على ما يبدوا .
وطرأت مني نظرة غير مقصودة إلى خارج النافذة .. إلى حديقة الفيلا .
وإذا بي أرى .... يا للهول .. من ؟؟! هل هذا يعقل ؟؟!
لا أصدق عيني !!
يا للزمان .. يا للقدر .. أبعد هذه السنين ؟؟ وهذا العمر ؟؟
فاعترنني حالة لم أعرفها تماما
هي تقريبا .. مزيجاً من ذهول وارتباك
لاحظ صديقي عليا ذلك .. فنظر إلى النافذة حيث أنظر .. فبدت على وجهي علامات الدهشة والاستغراب فسألني بكل خجل عن سبب ذهولي .
فلم ادري ما اجيبه .. وبقيت صامتا مرتبكا
فسبق ذوقه الرفيع فضوله وتركني في صمتي وفكري واندهاشي .. واستأذن لبعض أمره .
وعادت بي الذكريات ....!!
إلى الوراء .. إلى ما قبل خمسة عشر عاماً
كنا قد خرجنا من باب الكلية معاً .. سعداء بنهاية الفصل الدراسي الأخير
مستبشرين بأننا في طريقنا لدخول حياتنا الجديدة .. وكان كل شيء معدا ومتفق عليه .. سواء عند عائلتي او عائلتها، وكنا في انتظار التخرج وهم ينتظرون حضور شقيقها الأكبر المسافر في الخارج كي يكون متواجدا .
وكنا حينها ننوي التخطيط لمستقبلنا المجهول
وها نحن تتشابك ايدينا .. ونطير عصفوران .. فرحين سعيدان .
وذهبنا إلى كافيتريا قريبة .. وجلسنا وتنهدنا راحة بعد عناء
نظر كل منا للآخر .. وعيناها تفيضان عشقا وولها وتشعان بريق أمل والشوق واللهفة
وأخذنا نخطط وندرس ونتنافس ونتحاور .. نتجادل أحيانا .. ونتفق اخرى .. ثم نضحك من أنفسنا
وافترقنا على أمل أن نلتقي في الغد .. بنفس المكان ونفس الزمان
ولكن .........
تكررت زياراتي لهذا المكان والزمان .. عبثاً
فلم تأتي ..... ولم تحضر ...... وغابت ...... واختفت
قتلني الشوق والحيرة والقلق
فكنت احيانا ارشي اختي الصغيرة لكي تذهب لبيتهم بحجة الزيارة .. لعلها تأتيني بخبر ما .. أو سببا لهذا الاختفاء المثير للتساؤل .
وليتني ما فعلت وليتني ما رشوتها وليتها لم تذهب وليت الاخبار ما أتتني
صدمة كبيرة .. ولطمة أكبر .. طعنة قاتلة ... في صميم القلب
أخذت مني اعواما طويلة حتى فقت منها ... وصحوت على ذكرى أليمة
ياااااااااااه ...... أبعد ما ارتحلوا من ذلك الزمااان وسافروا ... ألتقيها هنا، وبهذا الحفل، وبهذه الصدفة.
يا للأقدار .. كم تطعن فتكون طعناتها كبيرة .. ودواؤها شحيح لا يكفي لعلاج الجرح .
خرجت من ذاكرتي .. على صوت صديقي يقول بتلعثم :
إنها أختي الصغيرة .. مسكينة حظنها عاثر !!!
تصور أنها مطلقة منذ اعوام في عمرها هذا وترفض الزواج وكأنها حرمته على نفسها .
ولا ٍأدري لماذا رقص قلبي فرحا لهذا الخبر .
أتذكر في الماضي كان لها أخ مسافر دوما خارج البلاد .. ولا يأتي أبدا ، كأنه هارب من أسرته أو كأن شيئا ما يلاحقه في هذا المكان .
إنه هو الآن ... صديقي .. لانه لم يعرفني .. فكل عائلته ماضيا كانوا يعرفوني تماما .
فسألته بجرأة غريبة ما عهدتها بنفسي ابدا :
هل أستطيع أن أكلمها ؟؟
فأبدى عدم رفضة وقال : بالعكس ، ليتك تستطيع أن تخرجها من انطوائها وتقنعها بترك وحدتها وعزلتها .
فاستأذنت منه .. وخرجت إلى الحديقة حيث كانت تجلس هناك ..
وكل خطوة أخطوها كانت بألف دقة في قلبي .. والخوف يعتريني من اللقاء
فوقفت بجانبها وسألتها : هل بإمكاني الجلوس ؟
فالتفتت إلي ببطء وملل .. وذهلت .. وبدت عليها علامات غريبة كمن رأي شيئا غريبا .
خليط من الحيرة والدهشة والوجوم والصدمة .
فأمسكت بالمقعد وجلست ولم أتفوه بكلمة ابدا ، تاركا لها المجال حتى تستجمع قواها من أثر المفاجأة .
فنظرت إلي مليا .. وتمتمت ببضع كلمات لم أفهمها ، أخذت دموعها تنساب برقة ونعومة ولكنها غزيرة ، ولم تدري ما تقول .. وتبادلنا حالة الصمت لفترة ليست بالقليلة .
فبادرت هي بالكلام قائلة بصوت منخفض لا يكاد يسمع .
من؟؟ أنت ؟؟ كيف ؟؟ هل هذا معقول ؟!
والآن ؟؟ لماذا وكيف ؟؟
فابتسمت في وجهها وأجبتها بصوت حانِ ، إنها الأقدار يا عزيزتي تفعل بنا ما يحلو لها .
وتابعت كلامي أسألها كيف حالك، فأجابت : حالي ؟؟؟ ها هو حالي .. ألا تراه ؟؟
ولكني سألتها عن سبب اختفاؤها في حينها .
فهزت رأسها وأراحت جسدها وتابعت :
تركتك في ذلك اليوم ووصلت البيت فإذا بهم جميعا قد ذهبوا للمستشفى ، فأبي كان مريضا جدا ، وبحاجة لإجراء عمليه جرحية سريعة ، ونصح الأطباء عائلتي أن يسافروا به خارج البلاد لخطورة حالته .
وتقرر السفر في حينها .. وسافرنا صباح اليوم الثاني .
ولكن أبي توفي هناك أثناء العملية .. ورفض أخي الأكبر صديقك الان بان نعود إلى هنا ، وأصر على أن نبقى هناك ، فعاد أخي الأصغر وصفى أعمال أبي هنا ، ثم لحق بنا هناااااك حيث عشنا سنينا طويلة .. وكإني ميتة في تابوت لغيري .
وتزوجت عنوه وقهر من صديق أخي الأكبر وشريكه في العمل ولكن لم يكن بيننا حياة ولا تفاهم .. فانفصلنا بعد عامين فقط .
وبعد ذلك توفيت والدتي فقررنا العودة إلى هنا ، وها نحن هنا منذ خمسة أعوام .
هذه حالتي وهذه الحياة التي عشتها .. باختصار .
وتابعت سائلة : وأنت .. ماذا فعل بك القدر ؟؟
ورجعت إلى الوراء ,, وتنهدت وقلت :
أبداً .. فقدت حرمت النساء على نفسي ولم ألمس امرأة غيرك أبدا
فوهبت نفسي لأحد الأمرين .. إما أنتي .. أو أموت عازبا
فاغرورقت عيناها بالدموع وانتحبت باكية .
وصاحت : لماذا أتيتني .. ؟؟ لماذا جئتني .. ؟؟ ماذا تريد مني ؟؟؟
أنا لا أستحقك .. فقد تركتك ولم أخلص لك ، واستحل رجل غيرك جسدي ، وأنت هنا غارق في الاخلاص والوفاء أثناء غيابي .
فأمسكت بيدها .. لأهدئها .. وأجبتها .
كما هو القدر فرق بيننا في الماضي .. فقد جمعنا مرة أخرى .
فهل أتركك أنا الآن كما تركتيني انتِ في الماضي ؟؟
لا ... لن أكرر المأساة أبدا ولن أدعك تذهبين مني بعد اليوم .
فالتفتت إليّ وعلت وجهها ابتسامة عريضة جميلة
فكانت ابتسامتها تلك ايذانا ببدء حياة قد خططنا لها منذ خمسة عشر عاماً .
\\ === بعض مما راق لذائقتي فشاركتكم به === //
__________________